السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكايتي مع معاق
في يوم من الأيام أخبرني مدير المدرسة بوجود طالب جديد لدينا
بالصف الأول متوسط ولديه إعاقة كبيرة0
ذهبت وفتشت عن الطالب المعاق !!!
يا الله ماذا أرى طالب ضئيل الجسم ضعيف البنية صغير الرأس مشلول
اليدين تنظر إلى يديه كأنها يد طفل صغير عمره سنتان
الحمد لله الذي عافنا وفضلنا على كثير ممن خلق
تعجبت من هذا الطالب وما الذي أتى به لمدرستنا ولماذا لم يدخل
مدرسة خاصة بالمعاقين
تركت الكثير من الأسئلة التي تدور في مخيلتي والتفت إلى الطالب
المعاق مبتسما وسألته عن اسمه فقال بابتسامة بريئة اسمي محمد
فقلت له أنا المرشد الطلابي بالمدرسة ففرح وأخبرني بمرشده في
المرحلة الابتدائية وانه كان يحبه كثيرا
اصطحبت محمد لمكتبي وجلست أتحدث معه في موضوعات عامة لأتعرف على
شخصيته , فوجدته آية من آيات الله شديد الذكاء لماح سريع بل
ومتفوق دراسيا منذ الصف الأول ابتدائي إلى أن أنهى المرحلة
الابتدائية وتقديراته لا تقل عن الامتياز
حملت عنه حقيبته وأخذته لفصله الجديد فنظر إليه الطلاب نظرات
غريبة مزعجة وكأنه كائن عجيب أو مخلوق قادم من الفضاء !!! قطعت
عليهم نظراتهم الفضولية مرحبا بزميلهم الجديد
000
عدت لكتبي أفكر في هذا الطالب المعاق المشلول اليدين نهائيا
أفكر في وضعه في مدرسة عامة تعج بخمسمائة مراهق !!!
كيف سيتصرف معهم وكيف سيأكل وكيف سيتوضأ للصلاة وكيف سيكتب دروسه
, وكيف سيحتمل نظراتهم الفاحصة , أسئلة كثيرة جدا حيرتني وجعلتني
أقف أمام مهمة صعبة في انتظاري فهذا الطالب ( محمد ) سيدرس عندنا
ثلاث سنوات !!!
وفي منتصف اليوم الدراسي زرته في فصله فوجدت مكانه خاليا !!!
تعجبت أين ذهب محمد وفجأة رأيته رأسه يطل علي من بين الصفوف
اقتربت منه فوجدت جالسا على الأرض ويكتب بقدمه !!! تعجبت من جمال
خطه و والله إنه أحسن خطا من بعض الطلاب الأسوياء (( لله في خلقه
شؤون ))
قمت بعد ذلك بتقصير أرجل المنضدة ليكون سطحها في مستو قدميه
000فأصبح يكتب وهو جالس على الكرسي بدلا من الأرض فسر كثيرا بهذه
الفكرة لأن كان في المرحلة الابتدائية يجلس على الأرض لعلو
المنضدة عليه ولكن الآن استراح كثيرا
وأثناء استراحة الطلاب من أجل الافطار (( الفسحة الكبيرة )) ذهبت
لفصله لأرى كيف يأكل وإذا إثنين من أصحابه يطعمانه ويسقيانه
ويتناوبون على ذلك , جلست معهم وقلت هل بينكم قرابة ؟ فقال طارق
لا يا أستاذ نحن نحب محمدا
و نساعده منذ الصف الأول ابتدائي وقد سجلت خصيصا في هذه المدرسة
لأكون مع صديق عمري محمد
يا الله ما أعظم هذه الأخوة وسبحان الذي ألف بين قلوبهم
وحان موعد الصلاة فوجدت طارق ووسيم يساعدان محمد على الوضوء
فيقوم طارق ويضع الماء في فم محمد ليتمضمض ويستنشق ثم يقوم بغسل
وجهه ويديه ورجليه حتى ينتهي من الوضوء
وأما دخول محمد لدورة المياه فقد كان يدخل في منزله قبل حضوره
للمدرسة إلى أن يعود للمنزل لتساعده أمه على شؤونه الخاصة في
دورة المياه
وجاء موعد أحسن حصة للطلاب (( التربية البدنية )) ولعب الكرة
صعدت للملعب وإذا محمد يرتدي اللبس الرياضي ويلعب مع أصدقاءه
بمهارة عجيبة !!!
لله درك يا محمد ضئيل الجسم مشلول اليدين لكن همته تنطح الثريا
وإرادته تكسر الحديد فلا يعرف طريقا لليأس ولا للخجل ولا للخمول
لم أره يوما غائبا ولا متأخر في الاصطفاف الصباحي بل كان دائما
في مقدمة الطابور
وفي يوم من الأيام حضر لمكتبي ثلاث طلاب يريدون حلا لمشكلتهم
فقلت ما مشكلتكم فقال أحدهم لماذا طارق دائما يطعم محمد في
الفسحة ؟ أنا أريد أيضا أن أساعده
فقال الثاني لا لا أنا أريد أن أساعده لوحدي !!
فقال الثالث أنا سبقتكم بمساعدته وأنا الأحق !!
شكرتهم على حبهم لمحمد ومساعدتهم له وقمت بعمل جدول لتنظيم
خدمتهم لصديقهم وانتهت المشكلة
مر العام الدراسي وكان ترتيب محمد الثاني على الصف
وتم اختياره الطالب المثالي على مستوى المدرسة
ومضت السنون والأعوام فنجح محمد من المرحلة المتوسطة , فاتصلت
بمرشده في المرحلة الثانوية وأعطيته تقريرا مفصلا عن كيفية
التعامل مع محمد حتى كرسيه ومنضدته (( الماصة )) التي صممتها له
تم إرسالها للثانوية
ومرت الأعوام سريعا فنجح محمد من المرحلة الثانوية بتفوق وسجل
بالجامعة قسم الحاسب الآلي وهو الآن من المتفوقين في هذا المجال
ويواصل دراسته
ولا زال بعد هذه السنوات الطويلة يتواصل معي بالزيارات
والاتصالات
هذا التفوق وهذا التميز جاء بفضل الله ثم قوة إرادة محمد وتحديه
للصعاب وأيضا لا ننسى والده (( أستاذ جامعي )) ووالدته الذين
سعوا في تشجيع محمد ورعايته إلى أن تفوق بحمد الله
والحديث يطول لأنني لا يمكن أن أختصر ثلاث سنوات في عدة أسطر لكن
حسبي ما ذكرته
وفقنا الله وإياكم لكل خير ورزقنا الإخلاص في القول والعمل
فما أحرانا أن نشجع المعاق ونقف معه ونأخذ بيده ونربي أبنائنا
على تقبل المعاق ومساعدته وعدم ازدراءه أو ملاحقته بالنظرات
المزعجة
وواجب أيضا على الجهات المعنية توفير الجو المناسب لهؤلاء
المعاقين وتوفير الخدمات لهم وتسهيل الصعاب
فهم أمانة في أعناقنا